‫خطبة الجمعة‬ ‫التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده هللا تعالى بنصره العزيز‬ ‫الخليفة الخامس للمسيح الموعود و اإلمام المهدي عليه السالم‬ ‫يوم ‪4104/4/4‬‬ ‫في مسجد بيت الفتوح بلندن‬ ‫‪‬‬ ‫حممدا عبده ورسوله‪ .‬أما بعد فأعوذ باهلل من الشيطان‬ ‫أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك لـه‪ ،‬وأشهد أن ً‬ ‫اك‬ ‫الرحيم* ْ‬ ‫اك نَـ ْعبُ ُد َوإيَّ َ‬ ‫الرحيم * َمالك يَـ ْوم الدِّين * إيَّ َ‬ ‫اْلَ ْم ُد هلل َر ِّ‬ ‫الر ْْحَن َّ‬ ‫مني * َّ‬ ‫الر ْْحَن َّ‬ ‫بس ِم اهلل َّ‬ ‫ب الْ َعالَ َ‬ ‫الرجيم‪ْ  .‬‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ني‪ ،‬آمني‪.‬‬ ‫هم َوال َّ‬ ‫عني * ْاهدنَا ِّ‬ ‫ت َعلَْي ِه ْم َغ ْْي الْ َم ْغ ُ‬ ‫الضالِّ َ‬ ‫نَ ْستَ ُ‬ ‫ين أَنْـ َع ْم َ‬ ‫ضوب َعلَْي ْ‬ ‫قيم * صَراط الذ َ‬ ‫الصَرا َط الْ ُم ْستَ َ‬ ‫اليوم أيضا سأقدم من كالم املسيح املوعود ‪ ‬بعض املقتبسات املتعلقة حبب اهلل تعاىل اليت نبني فيها املسيح املوعود‬ ‫وبني أيضا ما كان يتوقعه منا حنن‬ ‫حقيقة حب اهلل وتعريفه‪ ،‬وذكر أساليب نيل ِّ‬ ‫حب اهلل وسره وفلسفته العميقة‪ ،‬ن‬ ‫الذين نؤمن به وننتمي إىل مجاعته‪ ،‬وكيف جيب أن نسعى للحصول على حب اهلل وماذا ينبغي أن يكون معيار هذا‬ ‫اْلب‪ .‬لذا فإ نن كل مقتبس مما سأقرأه عليكم جدير بالتأمل‪ ،‬وهو مبنـزلة سر ٍاج ينْي دروبنا‪ ،‬لذا جيب أن تسمعوها‬ ‫اْلب اإلهلي ونزداد حبًّا هلل دائما ونصلح أنفسنا‪.‬‬ ‫بإمعان شديد لكي نفهم مضمون ن‬ ‫يقول املسيح املوعود ‪:‬‬ ‫"اعلموا أن اْلب ال ينشأ بالتصننع والتكلنف‪ ،‬بل هو قوة من القوى اإلنسانية‪ ،‬وحقيقته أن ينجذب القلب إىل‬ ‫تتبني‬ ‫شيء يُعجبه‪ ،‬وكما أن خواص كل شيء تظهر ببداهة عند بلوغه‬ ‫َ‬ ‫الكمال‪ ،‬فاْلال نفسه للحب أيضا‪ ،‬إذ ن‬ ‫ميزاته جبالء عند بلوغه أتَّ الدرجات وأكملها‪ ،‬فاهلل تعاىل يقول‪ :‬أُ ْش ِربُوا ِِف قُـلُوِبِِ ُم الْعِ ْج َل‪ ‬أي أهنم أحبوا العجل‬ ‫لدرجة كأهنم أُش ِربوه كالشراب‪ .‬واْلقيقة أن اإلنسان حني حيب أحدا حبا كامال فكأنه يشربه أو يأكله‪ ،‬ويصطبغ‬ ‫النور اإلهلي ظليا حبسب‬ ‫بأخالقه وسلوكه‪ ،‬وبقدر ما حيبه يصبح مظهرا ْلبيبه‪ .‬وهذا هو السر ِف اكتساب ُحمب اهلل َ‬ ‫قدراته‪ .‬أما الذين حيبون الشيطان فيكسبون الظالم الذي ِف الشيطان‪".‬‬ ‫(إذًا‪ ،‬يقول املسيح املوعود بأن سر اْلب هو أن ينصبغ املرء بصبغة صفات اهلل تعاىل ألنه ما مل يعلم املرء صفات‬ ‫اهلل تعاىل ال ينال املعرفة‪ .‬واملعلوم أن اإلنسان عندما يتقدم بعد نيل معرفة اهلل وينصبغ بصبغة اهلل عندئذ يكتمل حبه‬ ‫هلل تعاىل ألن معرفة صفاته تعاىل فقط ال تكفي بل جيب االنصباغ بصبغتها أيضا‪ ،‬عندها فقط ينال املرء نور اهلل‬ ‫تعاىل)‪.‬‬ ‫عجب اإلنسان بشمائل حبيبه وأخالقه وتعبُّده بصدق القلب‪ ،‬وأن يسعى بالروح‬ ‫"اْلب يقتضي بالضرورة أن يُ َ‬ ‫والقلب للتفاين فيها‪ ،‬لينال بالتفاين ِف حبيبه اْليا َة اليت يتمتع ِبا حبيبه‪ ،‬فاحملب الصادق يتفاىن ِف حبيبه‪ ،‬ويتجلى‬ ‫من خالل حبيبه‪ ،‬ويعكس صورته ِف نفسه وكأنه يشربه‪ ،‬ويقال إنه بالتفاين فيه واالتصاف بصفاته وبالتمسك به‬ ‫يربهن للناس على أنه ِف اْلقيقة قد ذاب ِف حبه‪".‬‬ ‫قسا يُدعى "فتح مسيح" أثار بعض االعرتاضات فقال املسيح املوعود‬ ‫مث يقول ‪ ‬موضحا معيار اْلب ‪ -‬علما أن ًّ‬ ‫‪ ‬رندا عليه‪:‬‬ ‫باْلب حملاسنه الذاتية‪.‬‬ ‫"مث‬ ‫اعرتضت أن املسلمني ال حيبون اهلل أيضا حبًّا خاليا من املصاحل‪ ،‬ومل يعلَّموا أن اهلل جدير ِّ‬ ‫َ‬ ‫أما اجلواب‪ :‬فليتضح أن هذا االعرتاض ي ِرد ِف اْلقيقة على اإلجنيل‪ ،‬ال على القرآن الكرمي‪ ،‬ألن اإلجنيل مل يعلِّم قط‬ ‫أن حيبنوا اهلل حبا ذاتيا‪ ،‬ويعبدوه بدافع اْلب الذايت‪ ،‬أما القرآن الكرمي فزاخر ِبذا التعليم؛ فقد قال بصراحة ‪‬فَاذْ ُك ُروا‬ ‫َّ ِ‬ ‫اهلل َك ِذ ْك ِرُكم آباء ُكم أَو أ َ ِ‬ ‫َش ُّد ُحبًّا هللِ‪ ‬أي من مزايا املؤمنني أهنم ال حيبون‬ ‫ين َآمنُوا أ َ‬ ‫ْ ََ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َش َّد ذ ْكًرا‪( ‬البقرة‪َ  )102 :‬والذ َ‬ ‫ب إِلَْي ُك ُم ا ِإلميَا َن َوَزيـَّنَهُ ِِف قُـلُوبِ ُك ْم‪‬‬ ‫آباءهم وال أمهاهتم وال أحباءهم اآلخرين وال أنفسهم حبَّهم هلل ‪ .‬مث قال‪َ  :‬حبَّ َ‬ ‫إن اهلل يأْمر بِالْع ْد ِل وا ِإلحس ِ‬ ‫ان َوإِيتَ ِاء ِذي الْ ُق ْرَب‪ .‬هذه اآلية تتحدث عن حق اهلل وحق العباد‪ ،‬وكمال‬ ‫مث قال ‪َ ْ َ َ ُ ُ َ َ َّ  ‬‬ ‫نوعي اْلقوق كليهما‪( .‬نور القرآن‪ ،‬اخلزائن الروحانية اجمللد‪ ،9‬ص‪-030‬‬ ‫بالغتها أن اهلل تعاىل صرح فيها عن َ‬ ‫‪)034‬‬ ‫اقتبست منه هذا املقتبس‪ ،‬وذكرَ حقوق العباد أوال‬ ‫بني املسيح املوعود بوضوح ِف كتاب نور القرآن الذي‬ ‫ُ‬ ‫(لقد ن‬ ‫ووضح أن املراد من ذلك أن يُشفق املؤمنُ على الكفار أيضا ويواسيهم جيدا إذا اقتضت اْلاجة إليها ويتعاطف‬ ‫َّ‬ ‫معهم ِف أمراضهم الروحانية واجلسدية‪ .‬هذا هو املراد من أداء حقوق العباد‪ .‬لقد رُدن هنا أيضا على سؤال‪ :‬كيف‬ ‫حب الكفار‪ .‬يعرتض بعض الناس ويقولون بأننا حنن (األْحديني) نقول‪" :‬اْلب للجميع وال كراهية ألحد"‬ ‫ميكن ن‬ ‫ولكن كيف ميكن ذلك‪ .‬فقال املسيح املوعود أن املراد من مواساته هو إصالحه وسد حاجاته وليس املراد من‬ ‫مواساته تأييده ِف معتقداته الشركية أو اختيار معتقداته‪.‬‬ ‫فإذا كان املؤمن حيب مؤمنا على الوجه اْلقيقي فإ نن املراد منه أن حيب سلوكه اْلسن وخيتار حسناته وينصحه برتك‬ ‫السيئات إذا كان يرتكبها‪ .‬أما املواساة العامة فيجب أن يبديها املؤمن خللق اهلل كلهم‪ .‬ولكن ليس املراد من اْلب‬ ‫هنا أن خيتار املرء سيئات أحد بعذر أنه حيبه كثْيا‪ .‬مث ذكر املسيح املوعود ‪ ‬حقوق العباد مبا فيها إطعام اجلياع‬ ‫وحترير العبيد وأداء ديون املدينني وْحل أعباء املنكوبني‪ .‬مث جاء ِف الكالم ذكر العدل أيضا ضمن حقوق العباد‬ ‫وقيل بأن بعد العدل تأيت مرحلة اإلحسان أي جيب أن حتسنوا إىل اجلميع بغض النظر عن الدين وامللة‪ .‬هذه هي‬ ‫حقوق العباد أي أ ْن حيب املؤمن البشر بوجه عام بدافع اْلب ولنيل رضا اهلل تعاىل ألن األولوية هي ْلب اهلل دون‬ ‫غْيه)‬ ‫مث قال ‪:‬‬ ‫لعدل‪ ،‬ألن الذي خلقك وربناك وال يزال يربيك كل‬ ‫وأما معىن اآلية خبصوص حق اهلل ‪ ‬فهو أن تطيع اهلل ‪ ‬مراعيا ا َ‬ ‫حني وآن يستحق أن تطيعه‪ .‬ولو كانت عندك بصْية أكرب فعليك أن تطيعه ليس جملرد مراعاة اْلق بل مبراعاة‬ ‫اإلحسان‪ ،‬ألنه ‪ ‬حمسن‪ ،‬وإحساناتُه ومننه ال تع ند وال حتصى‪ .‬وواضح أ نن فوق العدل درجةً يُراعى فيها اإلحسا ُن‬ ‫أيضا عند الطاعة‪ ،‬وملا كان املرء يالحظ كل حني وآن صورةَ احملسن ومشائلَه وخصاله ويطنلع عليها وهي تظل ماثلةً‬ ‫ناظريه‪ ،‬هلذا فإ نن ِمن تعريف اإلحسان أن يعبد اهلل كأنه يراه ‪.‬‬ ‫أمام َ‬ ‫(أي أ نن اإلنسان يتذكر إحسانات اهللَ تعاىل عندما يراها‪ ،‬وعند تذ نكر اإلحسانات ميثل أمامه شكل احملسن‪ .‬فقال‬ ‫‪ ‬أن املراد من إحسان اهلل أن تعبدوه كأنكم ترونه)‬ ‫مث قال ‪" :‬إ نن مطيعي اهلل ‪ ‬ينقسمون ِف اْلقيقة إىل ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬الذين ال يالحظون اإلحسان اإلهلي جيدا لكوهنم حمجوبني وغْي ناظرين إال إىل األسباب"‪.‬‬ ‫(أي أنن اهلل تعاىل وراء اْلجب وليس ظاهرا حىت يُرى بشكل اإلنسان‪ ،‬أما األسباب املادية فتكون ماثلة للعيان‬ ‫ويعلم اإلنسان عنها أيضا وحيسن ِبا‪ .‬وعندما تكون األشياء املادية أمام اإلنسان فال يشعر ِف كثْي من األحيان أنن‬ ‫هلا خالقا وهو اهلل لذا يبدأ اإلنسان حبب األشياء املادية أكثر من املفروض‪ .‬مث قال ‪ ‬بأن هؤالء الناس على ثالثة‬ ‫أقسام‪ ،‬أوال أولئك الذين ال يقدِّرون إحسانات اهلل حقن التقدير ألنه تعاىل يكون وراء اْلجب‪ ،‬أما األسباب املادية‬ ‫فتكون ظاهرة أمامهم)‬ ‫يتابع املسيح املوعود ‪ ‬قائال‪:‬‬ ‫اْلب الذي ينشأ نتيجة‬ ‫"وال يتولد فيهم‬ ‫اْلماس الذي ينشأ نتيجة النظر إىل عظمة اإلحسان‪ ،‬كما ال يتحرك فيهم ُّ‬ ‫ُ‬ ‫تصور املنن العظيمة للمحسن‪ ،‬ويسلِّمون حبقوق اخلالق جملرد النظرة اإلمجالية إليه‪.‬‬ ‫ن‬ ‫(أي ال يعرتفون بإحسان اهلل إليهم حقيقة بل لكوهنم مؤمنني بوجه عام ويدنعون أهنم مسلمون فيعرتفون حبق اهلل‬ ‫بأنه خلقهم)‬ ‫احملسن‬ ‫يقول ‪" :‬وال يالحظون أبدا تفاصيل اإلحسان اإلهلي اليت إذا ألقى املرء عليها نظرةً دقيقة يصبح ذلك‬ ‫ُ‬ ‫اْلقيقي ماثال أمام عينيه‪".‬‬ ‫(أي يقولون بوجه عام أننا نؤمن باهلل وحنبه ولكن عندما يستفيدون من األشياء املادية عندئذ يُهملون إحسانات اهلل‬ ‫ويرنكزون ويتوجهون إىل املنافع الدنيوية فقط)‬ ‫"ذلك ألن حجاب عبادة األسباب مينعهم من رؤية الوجه الكامل لذلك املسبِّب اْلقيقي"‪.‬‬ ‫(أي عندما يستفيد اإلنسان من املنافع الدنيوية تغشيه تلك املنافع حبيث ال يرون من ورائها وجه اهلل الذي هو خالق‬ ‫تلك األسباب‪ ،‬وإن عبادهتم األسباب متنعهم من رؤية وجه اهلل املسبب اْلقيقي)‬ ‫"فال تتوفر هلم النظرة النقية اليت ميكن أن يروا ِبا مجال املعطي اْلقيقي بالكامل"‪.‬‬ ‫(أي من املعلوم أن املعطي اْلقيقي هو اهلل وحده الذي يهب الناس كل شيء ولكنهم ال يرون حسنه)‬ ‫"فمعرفتهم الناقصة تكون مشوبة بِ َك َد ِر تعلنقهم باألسباب‪ .‬فبسبب ذلك ِ‬ ‫وعدم قدرهتم على مشاهدة ِمنَن اهلل ال‬ ‫يعْيون اهلل ‪ ‬التفاتا تتطلبه مشاهدةُ املنن‪ ،‬اليت ِبا متثُل صورة ِ‬ ‫احملسن أمام العني بل تكون معرفتُهم باهتة‪ .‬وسبب‬ ‫ذلك أهنم يتَّكلون على جهودهم وأسباِبم‪ ،‬باإلضافة إىل ذلك يؤمنون أيضا تكلًُّفا بأن حق اهلل واجب عليهم‬ ‫ِّ‬ ‫نفسا إال ُوسعها من الفهم‪ ،‬هلذا يطالبهم بأن يشكروا حقوقه ما‬ ‫لكونه خال َقهم ورازقهم‪ ،‬وملا كان اهلل ‪ ‬ال يكلف ً‬ ‫داموا ِف هذه اْلالة‪ ،‬وإن املراد من العدل ِف‪ :‬إِ َّن اهللَ يَأْ ُم ُر بِالْ َع ْد ِل‪ ‬هذه الطاعةُ مبراعاة العدل"‪.‬‬ ‫(ألهنم ليسوا حائزين على معرفة كاملة خبالقية اهلل تعاىل ورازقيته‪ ،‬وإن كانوا يقولون ذلك بلساهنم لذا يعاملهم اهلل‬ ‫أيضا حبسب حالتهم وبقدر شكرهم ألن هذا ما يقتضيه عدله أن يعطيهم ِبذا القدر‪ ،‬ألهنم يرون هذا القدر من‬ ‫العمل كافيا هلم)‬ ‫"لكن هناك درجة أكرب ملعرفة اإلنسان‪ ،‬وهي كما بيننا آنفا أن يتمكن نظر اإلنسان فيها من رؤية يد فضل اهلل‬ ‫وطاهرا كليًّا من رؤية األسباب‪ .‬وِف هذه املرتبة ينسلخ اإلنسان عن ُحجب األسباب متاما‪ ،‬وتبدو‬ ‫ومنته منـَّزًها‬ ‫ً‬ ‫حققت‬ ‫األسباب باطلةً متاما كبطالن األقوال التالية‪ :‬كانت مزرعيت جيدة وكان اْلصاد جيدا بسبب سقاييت‪ ،‬أو قد‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫جنوت من اهلالك‪ .‬ويرى‬ ‫جناحا وأرباحا بقوة ساعدي‪ ،‬أو بفضل فالن حتقق يل‬ ‫املطلب الفالين‪ ،‬وبفضل اعتناء فالن ُ‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان ذاتا واحدا وقدرة وحيدة وحمسنا وحيدا ويدا وحيدة‪ ،‬وعندئذ يتمكن املرء من مشاهدة ِمنن اهلل بنظرة صافية‬ ‫ال تشوِبا أدىن شائبة من الشرك ِف األسباب‪ .‬وهذه املشاهدة يقينية وصافية حبيث ال يظن أن ذلك املننا َن غائب‬ ‫عن عينه عند عبادته‪ ،‬بل يعبده يقينا منه بأنه حاضر‪ ،‬وهذه العبادةُ ُسيت ِف القرآن الكرمي إحسانا‪ ،‬وهذا هو املعىن‬ ‫نفسه لإلحسان حصرا ِف الصحيحني‪.‬‬ ‫الذي بيننه النيب ‪ُ ‬‬ ‫وبعد هذه الدرجة هناك درجة أخرى تسمى "إيتاء ذي القرب" وتفصيل ذلك أن اإلنسان حني ِ‬ ‫يالحظ ملدة من‬ ‫الزمن منن اهلل نازلةً عليه من دون أن ينسبها إىل األسباب‪ ،‬ويظل يعبده إميانا منه بأنه موجود وحمسن بال واسطة‪،‬‬ ‫حب ذايت هلل ‪ ،‬ألن مالحظة منن اهلل املتواترة بانتظام تؤثر ِف‬ ‫فهذا التصور واخليال يؤدي أخْيا إىل أن ينشأ لديه ٌّ‬ ‫غمرتْه مننُه غْي احملدودة‪ ،‬ففي هذه اْلالة ال يعبده بدافع‬ ‫قلب الشخص املمنت تدرجييا‪ ،‬فيمتلئ باْلب الذايت للذي َ‬ ‫االمتنان فحسب بل يرت نسخ ِف قلبه حبُّه الذايت‪ ،‬متاما كما حيب الطفل َّأمه حبا ذاتيا‪ ،‬ففي هذه املرحلة ال يتمكن ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫مجيع األغراض النفسانية‬ ‫عند العبادة‪ -‬من رؤية اهلل فحسب بل يتمتع بالنظر إليه ‪ ‬كالعشاق الصادقني‪ ،‬وتنعدم ُ‬ ‫ويتولد فيه حبُّه الذايت‪ .‬وهذه املرتبة عُِّرب عنها بلفظ‪" :‬إيتاء ذي القرب"‪ ،‬وإىل ذلك أشار اهلل ‪ِ ‬ف آية ‪‬فَاذْ ُك ُروا اهللَ‬ ‫َك ِذ ْك ِرُكم آَباء ُكم أَو أ َ ِ‬ ‫اإلحس ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ان َوإِيتَ ِاء ِذي الْ ُق ْرَب‪ .‬وقد‬ ‫ْ ََ ْ ْ‬ ‫َش َّد ذ ْكًرا‪‬باختصار هذا هو تفسْي آية ‪‬إ َّن اللهَ يَأْ ُم ُر بالْ َع ْدل َو ْ ْ َ‬ ‫مجيع‬ ‫َّبني اهلل فيها املراتب الثالثة ملعرفة اإلنسان‪ ،‬وسَّى املرتبة الثالثة مرتبةَ اْلب الذايت‪ .‬وهذه املرتبةُ اليت حترتق فيها ُ‬ ‫األغراض النفسانية وميتأل القلب باْلب امتالء الزجاجة بالعطر‪ .‬وإىل هذه املرتبة أشْي ِف آية ‪َ ‬وِم َن الن ِ‬ ‫َّاس َم ْن يَ ْش ِري‬ ‫ِ ِ‬ ‫نَـ ْفسه ابتِغَاء مر ِ ِ‬ ‫َ ُ ْ َ َْ َ‬ ‫َسلَ َم َو ْج َههُ‬ ‫ضاة اللَّه َواللَّهُ َرءُوف بِالْعبَاد‪ .. ‬أي أن اهلل رؤوف مبثل هؤالء العباد‪ .‬مث قال‪ :‬بَـلَى َم ْن أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َج ُرهُ ِعْن َد َربِِّه َوَال َخ ْوف َعلَْي ِه ْم َوال ُه ْم َْحيَزنُو َن‪ ‬أي سينال النجا َة أولئك الذين يسلِّمون نفوسهم‬ ‫للَّه َوُه َو ُْحمسن فَـلَهُ أ ْ‬ ‫هلل ‪ ‬ويعبدونه ِ‬ ‫لوصول‬ ‫لنعمه وكأهنم يرونه‪ ،‬فهؤالء يأخذون أجرهم من اهلل وال خيافون وال حيزنون‪ .‬إن هدفهم هو ا ُ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يما‬ ‫إىل اهلل و ُ‬ ‫ِّعم عند اهلل‪ .‬مث يقول ِف آية أخرى‪ :‬يُطْع ُمو َن الطَّ َع َام َعلَى ُحبِّه م ْسكينًا َويَت ً‬ ‫أجرهم الن ُ‬ ‫الفوز حببه‪ ،‬و ُ‬ ‫يد ِمْن ُك ْم َجَزاءً َوَال ُش ُك ًورا‪ .‬فاجلدير بالتأمل هنا كم يتبني جليا من هذه‬ ‫َوأ َِس ًْيا * إََِّّنَا نُطْعِ ُم ُك ْم لَِو ْج ِه اللَّ ِه َال نُِر ُ‬ ‫حب اهلل ورضوانَه بصدق‬ ‫اآليات أن القرآن الكرمي وصف أسى درجة لعبادة اهلل واألعمال الصاْلة بأن يبتغي املرءُ َّ‬ ‫إسالما ألنه يعلِّم اإلنسان أن ال يعبد اهللَ ألغراض نفسانية بل ينبغي أن‬ ‫القلب‪ ....‬وإَّنا سَّى اهلل ‪ ‬هذا الدين‬ ‫ً‬ ‫يعبده حبماس فطري ألن اإلسالم يعين الرضا بالقضاء والتخلني عن مجيع األغراض‪ .‬ليس ِف العامل دين غْي اإلسالم‬ ‫أفصح عن هذه األهداف‪ ،‬صحيح أن اهلل قد وعد املؤمنني بأنواع النعم املختلفة تأكيدا على رْحته هلم‪ ،‬غْي أن‬ ‫َ‬ ‫املؤمنني الذين يريدون أسى الدرجات علَّمهم أن يعبدوا اهلل حبب ذايت"‪( .‬نور القرآن)‬ ‫مث يقول حضرته ِف بيان عالمة اْلب الصادق‪:‬‬ ‫وُتمد شعلة املعصية‪ .‬ال ميكن قط أن جيتمع العذاب مع اْلب‬ ‫"اْلب شيء غريب‪ ،‬إن ناره حترق نار الذنوب ُ‬ ‫الصادق والذايت والكامل‪.‬‬ ‫ومن مجلة عالمات اْلب الصادق أن يُن َقش ِف فطرة صاحبه اخلوف الشديد من أن يقطع حبيبه عالقته به‪ .‬ويعترب‬ ‫نفسه هالكا نتيجة أدىن تقصْي أو خطأ‪ ،‬ويرى معارضة حبيبه ُسًّا زعافا له‪ ،‬ويكون مضطربا بشدة من أجل وصال‬ ‫حبيبه‪ ،‬ويذبل بتصور البُعد عنه كأنه يكاد ميوت‪ .‬لذا ال يرى إمثًا تلك األمور اليت يراها إمثًا عامة الناس‪ ،‬مثل القتل‬ ‫والزنا والسرقة وشه ادة الزور فحسب‪ ،‬بل يرى أدىن نوع من الغفلة عن اهلل‪ ،‬وأدىن التفات إىل غْي اهلل من الكبائر‪.‬‬ ‫لذا فإن الدوام على االستغفار ِف حضرة اهلل يكون ِورده الدائم‪( .‬أي ال ينقطع عن االستغفار) وملا كانت طبيعته ال‬ ‫ترضى باالبتعاد عن اهلل تعاىل ِف وقت من األوقات‪ ،‬فإن صدرت منه غفلة مثقال ذرة مبقتضى البشرية لرآها ذنبا‬ ‫هائال كاجلبل‪ .‬هذا هو السر الذي بسببه يظل أصحاب العالقة الكاملة واملقدسة باهلل تعاىل يستغفرونه دائما ألن‬ ‫من مقتضى اْلب أن يقلق احملب الصادق من سخط حبيبه عليه‪ .‬وألن قلبه ُجيعل عطشا َن لرضى اهلل تعاىل عنه فإذا‬ ‫أخربه اهلل تعاىل أنه راض عنه فإنه ال يصرب على هذا القدر ألنه كما أن شارب اخلمر يشرب ِف جملس شاريب اخلمر‬ ‫مرة مث يعاود طلبها‪ ،‬كذلك عندما يهيج ينبوع اْلب ِف اإلنسان يقتضي هذا اْلب بطبيعة اْلال أن ينال رضا اهلل‬ ‫تعاىل أكثر فأكثر‪( .‬أي حىت لو قال اهلل ‪ ‬لإلنسان أنا ر ٍ‬ ‫اض عنك فال ينبغي أن جيلس فارغ البال مطمئنا‪ ،‬بل إن‬ ‫إخبار اهلل عن رضاه يدفع اإلنسان إىل اإلكثار من االستغفار ويلفته إىل النشاط ِف العبادة) فبسبب شدة اْلب‬ ‫االستغفار ِوردا هلم ِف كل ْلظة وآن‪.‬‬ ‫يُكثر من االستغفار أيضا‪ .‬هلذا السبب يتخذ الذين حيبون اهلل حبا كامال‬ ‫َ‬ ‫وأكرب عالمة للمعصوم هي أنه ينشغل ِف االستغفار أكثر من غْيه على اإلطالق‪.‬‬ ‫املعىن اْلقيقي لالستغفار هو االستعانة باهلل تعاىل لدرء كل زلنة وتقصْي ميكن أن يصدر من اإلنسان مبقتضى‬ ‫بشريته ولكي ال يظهر ذلك الضعف للعيان بل يبقى مستورا وخمفيا نتيجة فضل اهلل‪ .‬مث ُو ِّسع معىن االستغفار لعامة‬ ‫وض نم إليه مفهوم آخر أن حيميه اهللُ ِف الدنيا واآلخرة من العواقب السيئة والتأثْيات السامة لزلنة أو قصور‬ ‫الناس‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫حب اهلل تعاىل بواسطة تواضع‬ ‫صدر من قبل‪ .‬إ ًذا‪ ،‬فإن ينبوع النجاة اْلقيقية هو حب اإلنسان هلل ‪ ‬الذي جيذب َ‬ ‫العبد وتضرعه وابتهاله واستغفاره الدائم‪ .‬وحني يوصل اإلنسان حبه مرتبة الكمال وحيرق أهواءه النفسانية بنار حب‬ ‫اْلي‬ ‫كشعلة‪ُ ،‬‬ ‫اهلل ينزل حب اهلل له على قلبه دفعة واحدة ُ‬ ‫وخيرجه من أدران اْلياة السفلية‪ .‬فينصبغ بصبغة اهلل ن‬ ‫والقيوم بل ينال نصيبا من كافة صفات اهلل تعاىل بصورة ظلية‪ .‬عندها يصْي َمظهرا لتجليات اهلل تعاىل‪ .‬ويُكشف ِف‬ ‫الدنيا بواسطته كثْي من األسرار املستورة واملكتومة ِف كنـز الربوبية األزيل‪ .‬ألن اهلل الذي خلق هذا العامل ليس خبيال‬ ‫بل فيوضه دائمة‪ ،‬وأساؤه وصفاته ال تتعطل وال تبطل أبدا‪( .‬ينبوع املسيحية)‬ ‫مث يقول حضرته ‪ ‬موضحا أن التخلص من الذنوب وإحراز األعمال الصاْلة مستحيل من دون إحراز حب اهلل‬ ‫‪:‬‬ ‫حمروما من طاعة اهلل ومن اْلب اإلهلي املتدفق‪ ،‬وحني يكون‬ ‫سم ينشأ حني يكون اإلنسان ً‬ ‫"إن الذنب ِف اْلقيقة ن‬ ‫عدميَ اْلظ من ذك ِره ‪ ‬حبب‪ .‬وكما أن الشجرة اليت جتتث من األرض ال تبقى قادرة على امتصاص املاء من األرض‬ ‫وتدمر خضرهتا كلها‪ ،‬كذلك هو حال اإلنسان الذي يتخلى قلبه عن حب اهلل فيستويل‬ ‫وتبدأ باجلفاف يوما بعد يوم َّ‬ ‫عليه الذنب كاجلفاف‪ .‬وهناك ثالث وسائل ِف قانون اهلل للقضاء على هذا اجلفاف‪ )0( :‬اْلب (‪ )4‬االستغفار‬ ‫الذي يعين الرغبة ِف الدفن والتغطية‪ ،‬ألنه من املأمول أن ُتضر الشجرة ما دام أصلها متجذرا ِف الرتاب (‪ )3‬التوبة‪:‬‬ ‫أي العودة إىل اهلل بتذلل وضراعة المتصاص ماء اْلياة والتقرب إليه واخلروج من وراء حجاب املعصية باألعمال‬ ‫الصاْلة‪( ،‬أي أن إزاحة حجاب الذنوب املنسدل على أعني اإلنسان تتطلنب األعمال الصاْلة‪ ،‬وإلحراز األعمال‬ ‫اْلسنة مثة حاجة ماسة كما بينت ِف اخلطب قبل أشهر أو بضعة أسابيع إىل قوة العمل واإلرادة والعلم‪ ،‬عندها‬ ‫تزول هذه اْلجب‪ ،‬ويوفق اإلنسان لألعمال الصاْلة‪ ،‬ويتخلص من هذه السيئات‪).‬‬ ‫"وليتضح أن التوبة ال تكون باللسان فقط بل إن كمال التوبة منوط باألعمال الصاْلة‪".‬‬ ‫(أي أن جمرد ترديد كلمة التوبة باللسان ال يفيد وإَّنا تعد التوبة صادقة حني تقرتن باألعمال الصاْلة) وإن مجيع‬ ‫اْلسنات ُحتَرز تكميال للتوبة ألن اهلدف منها كلها التقرب إىل اهلل‪ .‬إن الدعاء هو اآلخر توبة ألننا بذلك نبحث‬ ‫عن القرب اإلهلي‪ ،‬وهلذا قد سى اهلل اإلنسان روحا‪ ،‬ألن راحته اْلقيقية تكمن ِف اإلقرار باهلل ‪ ‬وحبه وطاعته‪ ،‬كما‬ ‫ساها نفسا ألنه سيحقق االندماج مع اهلل‪.‬‬ ‫(أي قد سي روحا ألنه يرتاح ْلب اهلل‪ ،‬كما سي النفس لكونه قادرا على االرتباط باهلل‪ .‬فقد بني حضرته ‪ ‬هذه‬ ‫النقطة أنه قد خلق اإلنسان وسى حياته روحا ألن راحته اْلقيقية تكمن ِف اإلقرار باهلل وحبه وطاعته‪ ،‬فراحة الروح‬ ‫أن تتفاىن ِف اهلل حبا وتلتزم باالستجابة ألوامره ‪ ،‬كما ساه نفسا لقدرته على االرتباط باهلل)‬ ‫كمثل شجرة ثابتة األصول ِف أرض البستان‪ ،‬فهذه هي جنة اإلنسان‪ ،‬وكما متتص‬ ‫إن إنشاء العالقة باهلل حبب َ‬ ‫الشجرة ماء األرض وجتذبه إليها وتطرد به موادها السامة كذلك ينال قلب اإلنسان القدرة على طرد املواد السامة‬ ‫من داخله بامتصاص ماء اْلب اإلهلي فيتمكن من القضاء عليها بسهولة‪ ،‬ويرتب تربية طاهرة باالتصال باهلل وينمو‬ ‫ِ‬ ‫نمي‪ ،‬فسرعان ما‬ ‫وخيضر ويزدهر ويُثمر‪ .‬أما الذي ال يتمسك باهلل ‪ ‬فهو ال يقدر على‬ ‫كثْيا‬ ‫امتصاص املاء الذي يُ ن‬ ‫ن‬ ‫جيف تدرجييا‪ ،‬فتسقط األوراق أخْيا وتظهر األغصان قبيحة املنظر‪ .‬فلما كان جفاف الذنب ناجتا عن انقطاع‬ ‫العالقة فإن الوسيلة البسيطة لدفع هذا اجلفاف إنشاء العالقة الوثيقة‪.‬‬ ‫(أي أنشئوا العالقة القوية باهلل ‪ ‬وعندها سيـزول هذا اجلفاف وإال سوف يفىن اإلنسان هنائيا روحانيا مثل الشجرة‬ ‫س الْ ُمطْ َمئِنَّةُ * ْارِجعِي‬ ‫اليابسة) وهذا ما تشهد عليه سنن الكون أيضا‪ ،‬وإىل ذلك أشار اهلل ‪ِ ‬ف قوله ‪‬يَا أَيـَّتُـ َها النَّـ ْف ُ‬ ‫كرِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اضيَةً َم ْر ِضيَّةً * فَ ْاد ُخلِي ِِف ِعبَ ِادي * َو ْاد ُخلِي َجن َِّيت‪‬‬ ‫إ َىل َربِّ َ‬ ‫فالوسيلة للتخلص من الذنب تكمن ِف حب اهلل وعشقه‪ ،‬فجميع األعمال الصاْلة اليت تصدر بدافع اْلب اإلهلي‬ ‫وعشقه تطفئ نار الذنب‪ ،‬ألن اإلنسان بإحراز اْلسنات لوجه اهلل فقط يؤكد حبه له ‪ ،‬فإن إميان املرء باهلل ‪‬‬ ‫حبيث يقدِّمه على كل شيء حىت على حياته‪ ،‬ميثِّل الدرجة األوىل للحب‪ ،‬وهي تشبه حالة الشجرة حني تغرس ِف‬ ‫األرض‪ .‬والدرجة الثانية االستغفار الذي يعين حرص اإلنسان على أال يُفتضح نتيجة ابتعاده عن اهلل‪ ،‬وهذه الدرجة‬ ‫تشبه حالة الشجرة حني تتأصل جذورها ِف األرض جيدا‪ ،‬أما الدرجة الثالثة ‪ -‬وهي التوبة ‪ -‬فتشبه حالة اقرتاب‬ ‫جذور الشجرة من املاء فتمصه كالطفل‪ .‬ففلسفة الذنب تتلخص ِف نشوئه نتيجة االنفصال عن اهلل وإن التخلص‬ ‫منه منوط بإنشاء العالقة باهلل‪ ،‬فما أكرب غباء أولئك الذين يصفون انتحار أحد بأنه وسيلة للتخلص من الذنب‪".‬‬ ‫(الرد على أسئلة سراج الدين املسيحي األربعة)‬ ‫مث يقول حضرته ِف بيان الوسيلة لنيل قرب اهلل ‪:‬‬ ‫إن القرآن الكرمي يقدم تعليما ميكن لإلنسان أن حيظى بسببه وبسبب العمل به برؤية اهلل ِف هذه الدنيا‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫‪‬فَمن َكا َن يـرجوا لَِقاء ربِِّه فَـ ْليـعمل عم ًال ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫سره أن حيظى ِف هذه‬ ‫َ َ ََْ ْ ََ َ‬ ‫صاْلًا َوَال يُ ْش ِرْك بعبَ َادة َربِّه أ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َح ًدا‪ .‬أي أ نن َمن ن‬ ‫الدنيا برؤية اهلل اإلله اْلق واخلالق اْلقيقي‪ ،‬عليه أن يكسب أعماال صاْلة ال يشوِبا فساد‪ ،‬أي جيب أال تكون‬ ‫تلك األعمال رياءً للناس وال ُتلق الكرب ِف قلب صاحبها فيقول إين كذا وإين كذا‪ ،‬وأال تكون تلك األعمال ناقصة‬ ‫غْي كاملة‪ ،‬وأال تفوح منها رائحة تناِف اْلب اخلالص‪ ،‬بل جيب أن تكون مفعمةً بالصدق والوفاء‪ .‬وباإلضافة إىل‬ ‫الشمس أو القمر أو جنوم السماء أو اهلواء أو‬ ‫ذلك جيب أن جيتنب صاحبها الشرك بكل أنواعه‪ ،‬فال يشرك باهلل‬ ‫َ‬ ‫أي شيء آخر ِف األرض‪ ،‬وأال يُعلِّق آماال على األسباب الدنيوية وال يعتمد عليها وكأهنا شركاء هلل‪.‬‬ ‫النار أو املاء أو ن‬ ‫يعول على قواه ومساعيه الشخصية؛ ألن ذلك أيضا نوع من أنواع الشرك‪ .‬بل جيب عليه أن يعترب ‪ -‬بعد القيام‬ ‫وأال ِّ‬ ‫بكل األعمال ‪ -‬كأنه مل يفعل شيئا‪ .‬فال تزهو لعلمكم وال تستكربوا لعمل من أعمالكم‪ ،‬بل ينبغي أن تعتربوا‬ ‫أنفسكم جاهلني وغْي فاعلني ِف اْلقيقة‪ .‬ولتكن الروح خاضعة على عتبات اهلل دائما‪ ،‬وينبغي جذب فيوض اهلل‬ ‫باألدعية‪ .‬وأن تكونوا كالعطشان الظمئ الفاقد اليدين والقدمني‪ ،‬الذي تتفجر أمامه عني ماء زالل َمعني‪ ،‬فيصل‬ ‫إليها بصعوبة بالغة‪ ،‬حيث ينهض حينا ويسقط أحيانا حىت يضع شفتيه على الينبوع‪ ،‬وال ينفصل عنه ما مل يرت ِو‪".‬‬ ‫(حماضرة الهور)‬ ‫مث يذكر املسيح املوعود عليه السالم املستوى املطلوب منا ِف حب اهلل تعاىل فقال‪ :‬لـو علمـتم أنكـم حتبـون اهلل تعـاىل‬ ‫كالعاشق الصادق‪ ،‬فعليكم أن تتفانوا ِف حبه تعـاىل حبيـث ال يبقـى لكـم وجـود‪ ،‬شـأن العاشـق الصـادق الـذي ميـوت‬ ‫جوعــا وعطشــا علــى فـراق حبيبــه وال يفكــر ِف األكــل والشــرب بــل ال يعــْي لوجــوده أدىن اهتمــام‪ ،‬مث لــو مــات املــرء ِف‬ ‫هنتم حبب اهلل الذايت‪ ،‬وليست الكشوف واإلهلامات غايتنا‪.‬‬ ‫سبيل هذا اْلب فما َ‬ ‫أسعده حظًّا‪ .‬إننا إَّنا ن‬ ‫(وأقــول هنــا‪ :‬يشــتكي الــبعض مــن عــدم تشـرفهم بكشــف أو إهلــام مــن اهلل تعــاىل‪ ،‬ولكــن املســيح املوعــود عليــه الســالم‬ ‫يبني هنا أن حب اهلل الذايت هو األساس‪ ،‬وليس كم كشفًا رأى وكم إهلاما نزل عليه)‬ ‫مث يقول عليه السالم‪ :‬انظروا إىل مدمن اخلمر كيـف يشـرب كأسـا بعـد كـأس ويسـتمتع ِبـا‪ ،‬كـذلك علـيكم أن تشـربوا‬ ‫من شراب حب اهلل الذايت كأسا دهاقا بعد كأس دهاق‪ ،‬وكما أن مدمن اخلمـر ال يشـبع بـل يريـد أن يشـرب هنـرا مـن‬ ‫اخلمر‪ ،‬كذلك ال تشبعوا من شراب حب اهلل تعاىل‪ .‬ما مل يـدرك املـرء أنـه قـد بلـغ مـن حـب اهلل تعـاىل حبيـث يسـتطيع‬ ‫أن يسمى عاشقا له فيجب أال يألو جهدا وال يتأخر‪ ،‬بل ميضي قدما‪ ،‬وال يُبعد هذه الكـأس مـن فمـه‪ ،‬ويكـون دائـم‬ ‫القلق واالضطراب والوله مـن أجلهـا‪ .‬ومـا مل يبلـغ هـذه الدرجـةَ فـال يصـلح لشـيء‪ .‬جيـب أن حيـب اهلل تعـاىل حبيـث ال‬ ‫يبايل بشيء إزاءه‪ ،‬فال يطمع ِف شيء آخر وال خياف سواه‪.‬‬ ‫مث يقول املسيح املوعود عليه السالم‪:‬‬ ‫حــني يرضــى املــرء بــاهلل تعــاىل متــام الرضــا وال يبقــى عنــده أيــة شــكوى عنــدها حيظــى حبــب اهلل الــذايت‪ ،‬ويــأمن هجمــات‬ ‫ـادا للـنفس‬ ‫الشيطان‪ .‬جيب على املرء الفوز ِبذا اْلب الذايت من خالل الدعاء‪ ،‬وما مل يتولد فيه هذا اْلـب يظـل منق ً‬ ‫األمــارة وِف قبضــتها‪ ،‬والــذين يكونــون حتــت الــنفس األمــارة يقولــون بالبنجابيــة مــا معنــاه‪ :‬هــذا العــامل حلــو‪ ،‬أمــا العــامل‬ ‫اآلخــر فمــن رآها ومــا يــدرينا أنــه ســيكون هنــاك عــامل آخــر أم ال‪ .‬ومثــل هــؤالء ِف خطــر شــديد‪ .‬أمــا أصــحاب الــنفس‬ ‫اللوامة فيكونوا أولياء ِف ْلظة‪ ،‬وشياطني ِف ْلظة أخرى‪( .‬أي تتقلب حالتهم دوما) وال يكونـون حبـال واحـد‪ ،‬ذلـك‬ ‫أهنم ِف صراع مـع أنفسـهم‪ ،‬فيَغلِبـون تـارة ويُغلَبـون أخـرى‪ .‬غـْي أن هـؤالء يسـتحقون املـدح‪ ،‬ألهنـم يعملـون الصـاْلات‬ ‫أيضــا‪ ،‬وُتشــى قلــوِبم رِبــم‪ .‬أمــا أصــحاب الــنفس املطمئنــة فيكونــون مــن املنتصـرين كــل االنتصــار‪ ،‬وخيرجــون مــن كــل‬ ‫خطر وخوف‪ ،‬ويصلون إىل مقام السالم‪ ،‬ويكونون ِف دار األمان اليت ال يقدر الشيطان على الوصول إليها‪.‬‬ ‫مث يبني املسيح املوعود عليه السالم مستوى عشق املؤمن لربه فقال‪:‬‬ ‫وينعم حبماس جيعله‬ ‫املؤمن يتصبغ بصبغة العاشق‪ ،‬ويكون صادقا ِف عشقه‪ ،‬ويتمتع بإخالص كامل وحب كامل لربه َ‬ ‫جاهزا لفداء نفسـه ِف سـبيله تعـاىل‪ ،‬ويظـل عنـده بتضـرع وابتهـال وثبـات‪ ،‬وال تعجبـه أيـة لـذة دنيويـة‪ ،‬وتنمـو روحـه ِف‬ ‫هذا العشق‪ ،‬وال يصيبه القلـق برؤيـة االسـتغناء مـن قبـل معشـوقه‪ ،‬وال تفـرت يتـه برؤيـة صـمت حبيبـه وعـدم التفاتـه لـه‪،‬‬ ‫ـدما علــى الــدوام‪ ،‬ويــزداد قلبــه التياعــا وشــوقا‪ .‬ال بــد مــن أمـرين ويــا أن يكــون املــؤمن العاشــق مســتغرقا ِف‬ ‫بــل ميضــي قـ ً‬ ‫حــب اهلل تعــاىل اســتغراقا كــامال‪ ،‬وأن يكــون عشــقه كــامال‪ ،‬ويكــون صــادق اْلمــاس ِف حبــه‪ ،‬ويكــون شــديد الثبــات‬ ‫والرسوخ ِف عهد عشقه حبيث ال تزعزعه أية صدمة‪ ،‬حىت ولو القى من املعشوق صـمتًا وصـدودا ِف بعـض األحيـان‪.‬‬ ‫جي ــب أن يتحل ــى بن ــوعني م ــن األمل‪ :‬أوهلم ــا أن يلت ــاع حب ــب اهلل تع ــاىل‪ ،‬وثانيهم ــا أن يت ــأمل قلب ــه برؤي ــة غ ــْيه ِف ك ــرب‬ ‫ومصيبة‪ ،‬ويضطرب خلـْيه وإعانتـه ومسـاعدته‪ .‬إن إخـالص املـرء والتياعـه ِف حـب اهلل تعـاىل وثباتـه عليـه جيعلـه ينسـلخ‬ ‫عن بشريته ويلقيه ِف ظل ألوهية اهلل تعاىل‪ .‬ولكن املرء يظل عرضة للخطر ما مل يبلغ ِف عشقه لربـه والتياعـه لـه مبلغـا‬ ‫حبيــث ينقطــع عمــا ســوى اهلل كليــة‪ .‬والقضــاء علــى هــذه األخطــار صــعب إال أن يصــبح هلل تعــاىل بكاملــه منقطعــا عــن‬ ‫غـْي اهلل كـل االنقطــاع‪ ،‬ويتـأمل ملخلــوق اهلل حبمـاس وبصــدق كمـا يـتحمس قلــب األم الـرءوم لوليــدها اْلبيـب الضــعيف‬ ‫ْحاسا صادقا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(أي أن صـفة املـؤمن الصـادق العاشـق هلل تعـاىل أنـه أوالً ينقطــع عمـا سـوى اهلل كليـة‪ ،‬وثانيـا أن قلبـه يتـأمل ملخلــوق اهلل‬ ‫تعاىل أيضا)‬ ‫مث يقول عليه السالم‪:‬‬ ‫ال تتيسر للمرء الصلة القوية مع اهلل تعاىل وال حمبته الصـافية مـا مل تتيسـر لـه معرفـة بوجـوده تعـاىل‪ .‬لقـد فسـدت الـدنيا‬ ‫ملثــل هــذه الشــبهات‪ ،‬فكثــْي مــن أهلهــا أصــبحوا ملحــدين عالنيــة‪ ،‬بعضــهم ليسـوا مبلحــدين ولكــنهم يســْيون ســْيهتم‪،‬‬ ‫ولــذلك يتكاســلون ِف أمــور الــدين‪ ،‬ولــيس عالجهــم إال أن يــدعوا اهلل تعــاىل ليزيــدهم معرفــة‪ ،‬وأن يعيش ـوا ِف صــحبة‬ ‫الصادقني لكي يروا اآليات املتجددة من قدرة اهلل وعجائبه‪ ،‬ولو فعلـوا ذلـك فسـوف يزيـدهم اهلل تعـاىل معرفـة وبصـْية‬ ‫كيفما شـاء‪ ،‬ويـثلج صـدورهم‪ .‬اْلـق واْلـق أقـول إن املـرء كلمـا ازداد إميانًـا بوجـود اهلل وعظمتـه ازداد حبًـا وخشـية لـه‪،‬‬ ‫ـوف عظمتـه وجربوتـه يـا األمـران اللـذان يسـببان‬ ‫وإال فإنه يتجاسر على اجلرائم ِف أيام الغفلة‪ .‬إن حمبة اهلل وهيبتـه وخ َ‬ ‫ِف حرق اآلثام‪ .‬فمن املسلم به أن اإلنسان يتجنب األشياء اليت خيافها‪ ،‬فمثال إن النار حترق فال يضـع فيهـا يـده‪ ،‬أو‬ ‫لو علم مثال أن ِف الطريق حيةً فال مير به‪ ،‬كذلك لو أيقن املرء أن سـم اإلمث يهلكـه ولـو خـاف عظمـة اهلل وأيقـن أنـه‬ ‫تعــاىل يكــره اإلمث ويعاقــب عليــه عقابــا شــديدا‪ ،‬ملــا جت ـرأ وال جتاســر علــى ارتكابــه‪ ،‬بــل ميشــي بعــدها علــى األرض كأنــه‬ ‫ميت‪ ،‬وتكون روحه مع اهلل كل حني‪.‬‬ ‫مث قال عليه السالم‪:‬‬ ‫حني حيرق املرء وجوده كله بدخوله ِف نار حـب اهلل تعـاىل‪ ،‬فـإن مـوت احملبـة هـذا يهبـه حيـاة جديـدة‪ .‬أال تـدركون أن‬ ‫اْلب نار‪ ،‬واإلمث نار أيضا‪ ،‬فنار حب اهلل تعاىل تقضي على نار اإلمث‪ .‬هذا هو أصل النجاة‪.‬‬ ‫مث قال حضرته ‪ ‬ناصحا أبناء مجاعته بصفة خاصة‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫غيب يدَّعي االتنقاء‪ ،‬لكن‬ ‫املتقي‬ ‫فاهلل ‪ ‬ال حيمي َّ‬ ‫الكامل من البالء ْحايةً عادية‪ ،‬بل ْحايةً إعجازية‪ .‬ن‬ ‫َ‬ ‫كل حمتال أو ن‬ ‫ـب اهللَ إال‬ ‫التقي إال َمن ثبتت تقواه بآيـة مـن اهلل تعـاىل‪ .‬وكـل إنسـان ميكـن أن يقـول إين أح ُّ‬ ‫ـب اهلل‪ ،‬ولكـن ال حي ن‬ ‫ليس ن‬ ‫ـت حمبنتُــه بشــهادة ساويــة‪ .‬واجلميــع يــدَّعي أن دينــه حـ ٌّـق‪ ،‬ولكــن لــيس علــى الــدين اْلــق إال الــذي يوهــب لــه‬ ‫الــذي ثبتـ ْ‬ ‫النـور ِف هــذه الــدنيا‪ .‬وكــلٌّ يـزعم أنــه ســينال النجــاة‪ ،‬ولكــن لــيس الصــادق ِف هــذا القــول إال مــن يــرى أنـوار النجــاة ِف‬ ‫عصموا من كل آفة‪( .‬سفينة نوح)‬ ‫هذه الدنيا‪ .‬لذا فاسعوا جاهدين لتكونوا من أحبناء اهلل‪ ،‬لتُ َ‬ ‫مث أقدم لكم مثاال كيف نصحنا حضرته ‪ ‬إلنشاء اْلب اإلهلي ِف قلوبنا‪ ،‬فقد قال ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ووج ْدنا فيـه اْلس َـن كلـه‪ .‬هـذا الكنــز جلـدير باالقتنـاء ولـو‬ ‫أعظم مل نذاتنا ِف ربننا‪ ،‬ألننا رأيناه َ‬ ‫إ نن فردوسنا إهلنا‪ ،‬وإ نن َ‬ ‫ـحى اإلنســان ِف طلبهــا كـ َّـل وجــوده‪ .‬أيهــا احملرومــون‪،‬‬ ‫افتــدى اإلنســا ُن بــه حياتَــه‪ ،‬وهــذه اجلــوهرة ْلَ ِريـنـة بالشـراء ولــو ضـ ن‬ ‫ِ‬ ‫اعا إىل هذا الينبوع لْيوي عطشكم‪ .‬إنـه ينبـوع اْليـاة الـذي ينقـذكم‪ .‬مـاذا أفعـل وكيـف أُقِ ُّـر هـذه البشـارة ِف‬ ‫هلُ نموا سر ً‬ ‫وبأي ٍّ‬ ‫ـأي دواء أعـاىت حـىت تنفـتح للسـمع‬ ‫دف أنادي ِف األسواق بأ نن هذا هو إهلكم حىت يسمع النـاسا وب ن‬ ‫القلوبا ن‬ ‫آذا ُن الناسا‬ ‫إ ْن كنتم هلل فاعلموا يقينًا أن اهلل لكم‪ .‬ستكونون ني ًامـا واهلل يسـهر لكـم‪ .‬وسـتكونون ِف غفلـة مـن العـدو‪ ،‬ويكـون‬ ‫اهلل له باملرصاد‪ ،‬ويدمر مكيدته تدمْيا‪ .‬إنكم ال تعلمون حىت اآلن ما ميلكه إهلكم من قـدر ٍ‬ ‫ات ولـو كنـتم تعلمـون ملـا‬ ‫ن‬ ‫ً‬ ‫مالك كنـ ٍز كبْي ويصـرخ ويشـارف علـى املـوت‬ ‫طلع عليكم يوم تصابون فيه بقلق شديد من أجل دنياكم‪ .‬فهل يبكي ُ‬ ‫لضــياع ملنــيم واحــدا فلــو كنــتم مطنلعــني علــى ذلــك الكنــز‪ ،‬أعــين لــو علمــتم أن إهلكــم ســيغنيكم عنــد كــل حاجــة‪ ،‬ملــا‬ ‫ناصركم عند كل خطوة‪ ،‬ولستم بشـيء‬ ‫أخذكم ن‬ ‫اهلم هلذه الدرجة من أجل دنياكما إ نن اهلل لكنـز عظيم فاقدروه‪ ،‬فإنه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ـت‬ ‫من دونه‪ ،‬ال أنـتم وال أسـبابكم وال تـدابْيكم‪ .‬ال تقلنـدوا غـْيكم مـن األمـم الـيت هتافتـت علـى األسـباب كلنينـةً‪ ،‬و َْلَ َس ْ‬ ‫ِ‬ ‫ـالب‬ ‫اب‪ ،‬ن‬ ‫وعضــت علــى اجليفــة بنواجــذها كمــا تــنهش اْل ـ ْدآ ُن والكـ ُ‬ ‫ثــرى األســباب الســفلية كمــا تلحــس األفــاعي ال ـرت َ‬ ‫ـْيا‪ ،‬وعبــدوا البشـ َـر‪ ،‬وأكلـوا ْلــم اخلنزيـر‪ ،‬وشـربوا اخلمــر كاملــاء‪ ،‬وهلكـوا‬ ‫اجليفـةَ‪ .‬لقــد بَـعُـ َـد هــؤالء عــن اهلل تعــاىل بُعـ ًـدا كبـ ً‬ ‫لتمــايُلهم علــى األســباب أكثــر مــن الــالزم‪ ،‬ومــاتوا بســبب عــدم اســتعانتهم بــاهلل تعــاىل‪ ،‬وطــارت مــنهم الــروح الســماوينة‬ ‫ذام التكالُب على الدنيا الذي ج نذم أعضاءهم الباطنة كلها‪ ،‬فاحذروا أنـتم‬ ‫طْيا َن اْلمام من ن‬ ‫العش‪ .‬إن ِف باطنهم ُج َ‬ ‫ذلك اجلذام (سفينة نوح)‬ ‫مث يقول حضرته ‪:‬‬ ‫تسعوا بكل ما ِف وسعكم ملعرفة اهلل فالتمسك به عني النجاة‪ ،‬والوصول إليه هو االستقالل بعينه‪ .‬إن‬ ‫ينبغي أن َ‬ ‫ذلك اإلله يتجلى على الذي يبحث عنه بصدق القلب واْلب‪ .‬إنه ‪ ‬يتجلى على الذي يصبح له كله‪ .‬إن القلوب‬ ‫الطاهرة هي عرشه ‪ ،‬واأللسن النـزيهة من الكذب والشتائم واهلذيان هي حمل وحيه‪ .‬وكل َمن يفىن ِف رضاه يصبح‬ ‫مظهرا لقدرته ‪ ‬اإلعجازية‪( .‬كشف الغطاء)‬ ‫وفقنا اهلل ‪ ‬لنيل هذه املعايْي اليت كان يتطلع سيدنا املسيح املوعود ‪ ‬إىل أن تنشأ فينا‪ ،‬ووفقنا اهلل ‪ ‬أن نكون‬ ‫منيبني إليه خملصني له وأن حنبه وجنعل حبه جزءا ال يتجزأ من حياتنا‪ ،‬وندخل جنات رضوانه‪.‬‬